الجمعة، 23 نوفمبر 2012

شرح الحديث التاسع من الاربعين النووية

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ .رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:7288]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1337]. ...

الشرح:

{ ما } في قوله: { ما نهيتكم } وفي قوله: { ما أمرتكم } شرطية يعني الشيء الذي أنهاكم عنه اجتنبوه كله ولا تفعلوا منه شيئاً، لأن الاجتناب أسهل من الفعل كل يدركه، وأما المأمور فقال: { وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم } لأن المأمور فعل وقد يشق على الإنسان، ولذلك قيده النبي بقوله: { فأتوا منه ما استطعتم }. فيستفاد من هذا الحديث فوائد: وجوب اجتناب ما نهى عنه الرسول وكذلك ما نهى الله عنه من باب أولى. وهذا ما لم يدل دليل على أن النهي للكراهة. ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز فعل بعض المنهي عنه بل يجب اجتنابه كله ومحل ذلك ما لم يكن هناك ضرورة تبيح فعله. ومن فوائد الحديث: وجوب فعل ما أمر به ومحل ذلك ما لم يقم دليل على أن الأمر للاستحباب. ومن فوائده: أنه لا يجب على الإنسان أكثر مما يستطيع. ومن فوائده: سهولة هذا الدين الإسلامي حيث لم يجب على المرء إلا ما يستطيعه. ومن فوائده: أن من عجز عن بعض المأمور كفاه بما قدر عليه منه فمن لم يستطع الصلاة قائماً صلى قاعداً ومن لم يستطع قاعداً صلى على جنب ومن أمكنه أن يركع فليركع ومن لا يمكنه فليومئ بالركوع، وهكذا بقية العبادات يأتي الإنسان منها بما يستطيع. ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان كثرة المسائل لأن كثرة المسائل ولا سيما في زمن الوحي ربما يوجب تحريم شيء لم يحرم أو إيجاب شيء لم يجب، وإنما يقتصر الإنسان في السؤال على ما يحتاج إليه فقط. ومن فوائد الحديث: أن كثرة المسائل والاختلاف على الأنبياء من أسباب الهلاك كما هلك بذلك من كان قبلنا. ومن فوائد الحديث: التحذير من كثرة المسائل والاختلاف، لأن ذلك أهلك من كان قبلنا، فإذا فعلناه، فإنه يوشك أن نهلك كما هلكوا .

شرح الحديث العاشرمن الاربعين النووية

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم:1015]. ...

الشرح:

{ إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً } الطيب في ذاته طيب في صفاته وطيب في أفعاله ولا يقبل إلا طيباً في ذاته وطيباً في كسبة. وأما الخبيث في ذاته كالخمر، أو في كسبة كالمكتسب بالربا فإن الله تعالى لا يقبله { وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين } فقال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم [البقرة:172]. فأمر الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد أن يأكلوا من الطيبات وأما الخبائث فإنها حرام عليهم لقوله تعالى في وصف الرسول الله : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] ثم إن رسول الله ذكر الرجل الذي يأكل الحرام أنه تبعد إجابة دعائه وإن وجدت منه أسباب الإجابة يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء { يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسة حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك } هذا الرجل اتصف بأربع صفات: الأولى: بأنه يطيل السفر والسفرالإجابة أي إجابة الداعي. الثانية: أنه أشعث أغبر والله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله وهو ينظر إلى عباده يوم عرفه ويقول: { أتوني شعثاً غبراً } وهذا من أسباب الإجابة أيضاً. الثالثة: أنه يمد يديه إلى السماء ومد اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة، فإن الله سبحانه وتعالى يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً. الرابعة: دعاءه إياه { يا رب يا رب } وهذا يتوسل إلى الله بربوبيته وهو من أسباب الإجابة ولكنه لا تجاب دعوته. لأن مطعمه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام فاستبعد النبي أن تجاب دعوته وقال: { فأنّى يستجاب لذلك }. يستفاد من هذا الحديث فوائد: منها وصف الله تعالى بالطيب ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً. ومنها تنزيه الله تعالى عن كل نقص. ومنها أن من الأعمال ما يقبله الله ومنها ما لا يقبله. ومنها أن الله تعالى أمر عباده الرسل والمرسل إليهم أن يأكلوا من الطيبات وأن يشكروا الله سبحانه وتعالى. ومنها أن الشكر هو العمل الصالح لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51] وقال للمؤمنين: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] فدل هذا على أن الشكر هو العمل الصالح. ومنها أن من شرط إجابة الدعاء اجتناب أكل الحرام لقول النبي في الذي مطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام: { أنّى يستجاب لذلك }. ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء كون الإنسان في سفر. ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين إلى الله. ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء التوسل إلى الله بالربوبية لأنها هي التي بها الخلق والتدبير. ومنها أن الرسل مكلفون بالعبادات كما أن المؤمنين مكلفون بذلك. ومنها وجوب الشكر لله على نعمه لقوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172]. ومنها أنه ينبغي بل يجب على الإنسان أن يفعل الأسباب التي يحصل بها مطلوبه ويتجنب الأسباب التي يمتنع بها مطلوبه.

شرح الحديث الثامن من الاربعين النووية

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّابِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ...

الشرح:

{ أُمرت }: أي أمره الله عزوجل وأبهم الفاعل لأنه معلوم فإن الآمر والناهي هو الله تعالى. { أقاتل الناس حتى يشهدوا } هذا الحديث عام لكنه خصص بقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]. وكذلك السنة جاءت بأن الناس يقاتلون حتى يسلموا ويعطوا الجزية. ومن فوائد هذا الحديث: وجوب مقاتلة الناس حتى يدخلوا في دين الله أو يعطوا الجزية لهذا الحديث وللأدلة الأخرى التي ذكرناها. ومن فوائد هذا الحديث: أن من امتنع عن دفع الزكاة فإنه يجوز قتاله ولهذا قاتل أبوبكر الذين امتنعوا عن الزكاة. ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا دان الإسلام ظاهراً فإن باطنه يوكل إلى الله، ولهذا قال: { فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله }. ومن فوائد الحديث: إثبات الحساب أي أن الإنسان يحاسب على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8،7].


شرح الحديث السابع من الاربعين النووية

عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ:الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ ...


الشرح:

فالنصيحة لله عزوجل: هي النصيحة لدينه كذلك بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والإنابة إليه والتوكل عليه وغير ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه. والنصيحة لكتابه: الإيمان بأنه كلام الله وأنه مشتمل على الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة وأنه يجب أن يكون التحاكم إليه في جميع شئوننا. والنصيحة للرسول : الإيمان به وأنه رسول الله إلى جميع العالمين ومحبته والتأسي به وتصديق خبره وامتثال أوامره واجتناب نهيه والدفاع ونحو عن دينه. والنصيحة لأئمة المسلمين: مناصحتهم ببيان الحق وعدم التشويش عليه والصبر على ما يحصل منهم من الأذى وغير ذلك من حقوقهم المعروفة ومساعدتهم ومعاونتهم فيما يجب فيه المعونة كدفع الأعداء ونحو ذلك. والنصيحة لعامة المسلمين: أي سائر المسلمين هي أيضاً بذلاً للنصيحة لهم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليمهم الخير وما أشبه هذا، ومن أجل ذلك صار الدين النصيحة وأول ما يدخل في عامة المسلمين نفس الإنسان أن ينصح الإنسان نفسه. ومن فوائد هذا الحديث: أولاً: انحصار الدين في النصيحة لقول النبي { الدين النصيحة }. ثانياً: أن مواطن النصيحة خمسة: لله، ولكتابه، ولرسوله، لأئمة المسلمين، وعامتهم. ومن فوائد الحديث: الحث على النصيحة في هذه المواطن الخمسة، لأنها إذا كانت هذه هي الدين فإن الإنسان بلا شك يحافظ على دينه ويتمسك به، ولهذا جعل النبي النصيحة في هذه المواطن الخمسة. ومن فوائد هذا الحديث: تحريم الغش لأنه إذا كانت النصيحة الدين فالغش ضد النصيحة فيكون على خلاف الدين وقد ثبت عن النـبي أنه قال: { من غشنا فليس منا }.

شرح الحديث السادس من الاربعين النووية

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقْد اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَّا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:52]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1599]. ...




الشرح:

قسّم النبي الأمور إلى ثلاثة أقسام: قسم حلال بيّن لا اشتباه فيه، وقسم حرام بيّن لا اشتباه فيه، وهذان واضحان أما الحلال فحلال ولا يأثم الإنسان به، وأما الحرام فحرام ويأثم الإنسان به. مثل الأول: حل بهيمة الأنعام . ومثال الثاني: تحريم الخمر. أما القسم الثالث فهم الأمر المشتبه الذي يشتبه حكمه هل هو من الحلال أم من الحرام؟ ويخفى حكمه على كثير من الناس، وإلا فهو معلوم عند آخرين. فهذا يقول الرسول الورع تركه وأن لا يقع فيه ولهذا قال: { فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه } استبرأ لدينه فيما بينه وبين الله، واستبرأ لعرضه فيما بينه وبين الناس بحيث لا يقولون: فلان وقع في الحرام، حيث إنهم يعلمونه وهو عند مشتبه ثم ضرب النبي مثلاً لذلك { بالراعي يرعى حول الحمى } أي حول الأرض المحمية التي لا ترعاها البهائم فتكون خضراء، لأنها لم ترعى فيها فإنها تجذب البهائم حتى تدب إليها وترعاها، { كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه } ثم قال عليه الصلاة والسلام: { ألا وأن لكل ملك حمى } يعني بأنه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئاً من الرياض التي يكون فيها العشب الكثير والزرع الكثير { ألا وإن حمى الله محارمه } أي ما حرمه على عباده فهو حماه، لأنه منعهم أن يقعوا فيه ثم بين أن { في الجسد مضغة } يعني لحمة بقدر ما يمضغه الآكل إذا صلحت صلح الجسد كله ثم بينها بقوله: { ألا وهي القلب } وهو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يراعي ما في قلبه من الهوى الذي يعصف به حتى يقع في الحرام والأمور المشتبهات. فيستفاد من هذا الحديث: أولاً: أن الشريعة الإسلامية حلالها بيّن وحرامها بيّن والمشتبه منها يعلمه بعض الناس. ثانياً: أنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمرأحلال هو أم حرام أن يجتنبه حتى يتبيّن له أنه حلال. ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبه هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة فإذا مارس الشيء المشتبه فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البين وحينئذ يهلك. ومن فوائد هذا الحديث: جواز ضرب المثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي بضرب الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوس ليقرب فهمه. ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام بضربه للأمثال وتوضيحها. ومن فوائد هذا الحديث: أن المدار في الصلاح والفساد على القلب وينبني على هذه الفائدة أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائماً وأبداً حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه. ومن فوائد الحديث: أن فاسد الظاهر دليل على فاسد الباطن لقول النبي : { إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله } ففساد الظاهر عنوان فساد الباطن.

شرح الحديث الخامس من الاربعين النووية

عن أمِّ المؤمنينَ أمِّ عبدِ اللهِ عـائـِشةَ رضي اللهُ عنها، قالت: قالَ رسولُ اللهِ : { مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَـذا مـا لـيـْسَ مِـنْهُ فَهـُوَ رَدٌّ }. [رواه الـبـخـاري:2697، ومسلم:1718 ]. وفي رواية لمسلم : { مـن عَـمِـلَ عَـمَـلاً لـيـسَ عـَلـَيهِ أَمْـرُنَا فَهُـوَ رَدٌّ }. ...

الشرح:

هذا الحديث قال العلماء: إنه ميزان ظاهر الأعمال وحديث عمر الذي هو في أول الكتاب { إنما الأعمال بالنيات } ميزان باطن الأعمال، لأن العمل له نية وله صورة فالصورة هي ظاهر العمل والنية باطن العمل. وفي هذا الحديث فوائد: أن من أحدث في هذا الأمر - أي الإسلام - ما ليس منه فهو مردود عليه ولو كان حسن النية، وينبني على هذه الفائدة أن جميع البدع مردودة على صاحبها ولو حسنت نيته. ومن فوائد هذا الحديث: أن من عمل عملاً ولو كان أصله مشروعاً ولكن عمله على غير ذلك الوجه الذي أمر به فإنه يكون مردوداً بناءً على الرواية الثانية في مسلم. وعلى هذا فمن باع بيعاً محرماً فبيعه باطل , ومن صلى صلاة تطوع لغير سبب في وقت النهي فصلاته باطلة ومن صام يوم العيد فصومه باطل وهلم جرا، لأن هذه كلها ليس عليها أمر الله ورسوله فتكون باطلة مردودة.

شرح الحديث الرابع من الاربعين النووية

عن أَبِي عبدِ الرحمنِ عبدِ اللهِ بن مسعـودٍ رضي اللهُ عنه، قال: حَدَّثَنَا رسولُ اللهِ - وهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوق: { إنَّ أحَـدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطِنِ أُمِّهِ أربعينَ يوماً نُطْفَةً، ثُمَّ يكونُ عَلَقَةً مِثلَ ذلكَ، ثُمَّ يكونُ مُـضْغـَةً مثلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إليه المَلكُ، فَيَنْفُخُ فيهِ الرُّوحَ، ويُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كلماتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أم سعيدٌ؛ فَوَاللهِ الـذي لا إلــهَ غَـيْرُهُ إنَّ أَحَــدَكُمْ لَيَعـمَلُ بعملِ أهلِ الجنةِ حتى ما يكون بَينَهُ وبينَها إلا ذِرَاعٌٌٌٌٌٌٌ فَيَسْبِقُ عليهِ الكتابُ فيَعـمَلُ بعـملِ أهــلِ النارِ فَـيَـدخُـلُهَا. وإنَّ أحدَكُم ليَعملُ بعملِ أهلِ النارِ حتي ما يكونَ بَينَهُ وبَينَهَا إلا ذِرَاعٌ فـَـيَسـبِـقُ عليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ فَيَدْخُلُهَا }. [رواه البخاري:3208، ومسلم:2643]. ...



الشرح:

هذا الحديث الرابع من الأحاديث النووية وفيه بيان تطور خلق الإنسان في بطن أمه وكتابه وأجله ورزقه وغير ذلك. فيقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ( حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق ) الصادق في قوله المصدوق فيما أوحي إليه وإنما قال عبدالله بن مسعود هذه المقدمة، لأن هذا من أمور الغيب التي لا تعلم إلا بوحي فقال: { إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً . الخ }. ففي هذا الحديث من الفوائد: بيان تطور خلقة الإنسان في بطن أمه، وأنه أربعة أطوار. الأول: طور النطفة أربعون يوماً . والثاني: طور العلقة أربعون يوماً . والثالث: طور المضغة أربعون يوماً . والرابع: الطور الأخير بعد نفخ الروح فيه. فالجنين يتطور في بطن أمه إلى هذه الأطوار. ومن فوائد هذا الحديث: أن الجنين قبل أربعة أشهر لا يحكم بأنه إنسان حي، وبناء على ذلك لو سقط قبل تمام أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، لأنه لم يكن إنساناً بعد. ومن فوائد هذا الحديث: أنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح ويثبت له حكم الإنسان الحي، فلو سقط بعد ذلك فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه كما لو كان ذلك بعد تمام تسعة أشهر. ومن فوائد هذا الحديث: أن للأرحام ملكاً موكلاً بها لقوله: { فيبعث إليه الملك } أي الملك الموكل بالأرحام. ومن فوائد هذا الحديث: أن أحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه . رزقه . عمله . أجله . شقي أم سعيد، ومنها بيان حكمة الله عزوجل وأن كل شيء عنده بأجل مقدر وبكتاب لا يتقدم ولا يتأخر. ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة، لأن رسول الله أخبر { إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها }. ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهراً طويلاً ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره. فإن قال قائل: ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؟ فالجواب: إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة، فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعو بالله من ذلك. وعلى هذا فيكون المراد بقوله: { حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع } قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله.

الخميس، 22 نوفمبر 2012

شرح الحديث الثالث من الاربعون النووية

عن أبي عـبدِ الرحمنِ عبدِ الله بنِ عـُمرِ بـنِ الخطَّابِ رضي الله عـنهما، قـال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقـولُ: { بُـنيَ الإِسْـلامُ على خَـمْـسٍ: شـهـادةِ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وأنَّ محمَّدًّا رسولُ اللهِ، وإقامَةِ الصلاة، وإيـتـاءِ الـزكـاةِ، وحَـجِّ البَيْتِ، وصَـوْمِ رَمَضَانَ }. [رواه البخاري:8، ومسلم:16]. ..

. الشرح.:

هذا الحديث بين فيه النبي أن الإسلام بمنزلة البناء الذي يظلل صاحبه ويحميه من الداخل والخارج، وبيّن فيه النبي أنه بني على خمس أركان: { شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان } وقد تقدم الكلام على كل هذه الأركان في حديث عمر بن الخطاب الذي قبل هذا فليرجع إليه.

سؤال: ما فائدة إيراد هذا الحديث مرة أخرى مع أنه ذكر في سياق حديث عمر بن خطاب ( الحديث الثاني )؟

الجواب: الفائدة أنه لأهمية هذا الموضوع أراد أن يؤكده مرة ثانية هذا من جهة ومن جهة أخرى أن في حديث عبدالله بن عمر التصريح بأن الإسلام بني على هذه الأركان الخمسة أما حديث عمر بن الخطاب فليس بهذه الصيغة وإن كان ظاهره يفيد ذلك، لأنه قال:

{ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . } إلخ.

الحلم

لحلم معناه ومكانته

هناك ارتباطاً مؤكداً بين ثقة المرء بنفسه وبين أناته مع الآخرين وتجاوزه عن خطئهم ، فالرجل العظيم حقاً هو من اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس المبررات لأغلاطهم.

ما هــو الحلــم؟

الحلم هو ضبط النفس، وكظم الغيظ، والبعد عن الغضب، ومقابلة السيئة بالحسنة.

وهو لا يعني أن يرضي الإنسان بالذل أو يقبل الهوان، وإنما هو الترفع عن شتم الناس، وتنزيه النفس عن سبهم وعيبهم.

مـــكانـــة الحلـــــم:

* الحلم صفة من صفات الله -تعالى- فالله -سبحانه- هو الحليم، يرى معصية العاصين ومخالفتهم لأوامره فيمهلهم قال تعالى {واعلموا أن الله غفور حليم}

* الحلم خلق من أخلاق الأنبياء، قال تعالى عن إبراهيم {إن إبراهيم لأواه حليم}

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أحلم الناس، فلا يضيق صدره بما يصدر عن بعض المسلمين من أخطاء.

* الحلم صفة يحبها الله -عز وجل-،

قال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة )

)إن فيك خصلتين يحبهما الله:

الحلم والأناة
((رواه مسلم


ثمـــرات الحلــــم

1- الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ))من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل- على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء ((صحيح الترغيب

2- الحلم دليل على قوة إرادة صاحبه، وتحكمه في انفعالاته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ))ليس الشديد بالصُّرْعَة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ((البخاري

3-الحلم وسيلة لكسب الخصوم والتغلب على شياطينهم وتحويلهم إلى أصدقاء، قال تعالى {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}

4- الحلم وسيلة لنيل محبة الناس واحترامهم، فقد قيل: أول ما يُعوَّض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره.
وعلى الرغم من أن الحلم كله خير, ويأتي بالخير, وأن الشر في الغضب, إلا أنه أحياناً يحمد الغضب بل يجب..

.فالغــــضب نوعــــان:

1- الغضب المحمود:
هو الذي يحدث بسبب انتهاك حرمة من حرمات الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو القدوة والأسوة الحسنة- لا يغضب أبدًا إلا أن يُنْتَهك من حرمات الله شيء.

2- الغضب المذموم:
وهو الذي يكون لغير الله، أو يكون سببه شيئًا هينًا, وقد ينتهي أمره إلى ما لا يحمد عقباه.



وسائل التحلي بخلق الحلم :

1- التربية والتعود والتكرار.
2- تذكر ثواب الحلم وفوائده, وعقوبة السفه والغضب.
3- مصاحبة الحلماء ومراجعة سيرهم.
4- تكلف الحلم وقهر النفس عليه.
5- الترفع عن السباب, وهذا من شرف النفس وعلو الهمة.
نسأل الله أن يجعلنا ممن حسنت أخلاقهم, وتهذبت نفوسهم...نفعنا الله بما نقول ونكتب...