مختصر فقه الأسماء الحسنى
للشيخ عبدالرزاق البدر
حفظه الله :
الحيـــيّ
قد ورد ذكر الحياء في القرآن بصيغة الفعل مضافًا إلى الله عز و جل ،قال الله تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }
وورد اسمًا في حديثين :
الأول : حديث يعلى بن أمية – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبزار بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل حييٌّ ستير يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) رواه أبو داود والنسائي.
الثاني: حديث سلمان الفارسي – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا ) ، رواه أبو
داود وابن ماجه.
وفي هذا الاسم الكريم دلالة على ثبوت الحياء صفة لله عز وجل على ما يليق بجلاله وكماله ، وهو سبحانه في صفاته كلها لا يماثل أحدًا من خلقه ، ولا يماثله أحدًا من خلقه ، كما قال تعالى :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ،وقال تعالى :{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } ، فحياؤه سبحانه وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين .
والقول في هذه الصفة كالقول في سائر صفات الرب سبحانه ، فكما أنا نثبت لله سبحانه علما لا كعلمنا ، وإرادة لا كإرادتنا فكذلك نثبت له حياء لا كحيائنا ؛ إذ كل ما أثبته سبحانه لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم حق لا ريب فيه.
والله سبحانه حيي يحب الحياء و أهله ، وقد تكاثرت النصوص في الأمر بالحياء والحث عليه والترغيب فيه ، وعدّه من شعب الإيمان ، وبيان ثماره العظيمة و آثاره المباركة ، وأنه خير كله.
و أعظم الحياء وأوجبه الحياء من الله عز وجل ، فعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( استحيوا من الله حق الحياء ، قال : قلنا : يا رسول الله ، إنا نستحي والحمد لله ، قال :ليس ذاك ، ولكن الإستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)) رواه أحمد والترمذي .
رزقنا الله الحياء منه ، و وفقنا لتحقيق خشيته في الغيب والشهادة والسر والعلانية .
=> يتبع إن شاء الله
مختصر فقه الأسماء الحسنى
للشيخ عبدالرزاق البدر
حفظه الله :
الرفيق
هو من الأسماء الحسنى الثابتة في السنة ، روى البخاري في (صحيحه) عن عروة ،عن عائشة –رضي الله عنها – قالت : ((استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : السام عليك ، فقلت : بل عليكم السام واللعنة ، فقال : (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ،قلت : أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال : قلت : وعليكم )).
ففي الحديث التصريح بتسمية الله بالرفيق و وصفه بالرفق ، وأن له من هذا الوصف أعلاه و أكمله وما يليق بجلاله وكماله سبحانه .
والرفق : اللين والسهولة و التأني في الأمور والتمهل فيها ، وضده العنف والتشديد، فهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها ، والله سبحانه رفيق في قدره و قضائه وأفعاله ، رفيق في أوامره و أحكامه و دينه وشرعه .
ومن رفقه سبحانه في أفعاله أنه سبحانه خلق المخلوقات كلها بالتدرج شيئًا فشيئا ، بحسب حكمته ورفقه ، مع أنه قادر على خلقها بدفعة واحدة بكلمة كن .
ومن رفق الله بعباده رفقه سبحانه بهم في أحكامه و أمره ونهيه ، فلا يكلف عباده ما لا يطيقون ، وجعل فعل الأوامر قدر الاستطاعة ، و أسقط عنهم كثير من الأعمال بمجرد المشقة رخصة لهم ورفقًا بهم ورحمة ،ولم يأخذ عباده بالتكاليف دفعة واحدة ، بل تدرّج بهم من حال إلى حال حتى تألف النفوس وتلين الطباع ويتم الانقياد .
ومن رفقه سبحانه إمهاله راكب الخطيئة ومقترف الذنب وعدم معاجلته بالعقوبة لينيب إلى ربه وليتوب من ذنبه وليعود إلى رشده .
ومن رفقه سبحانه أن دينه كله رفق ويسر و رحمة وأمر عباده بالرفق ، ويعطيهم على الرفق ما لا يعطي على الشدة ، ولا يكون في شيء من الأمور إلا زانه ، ومن حرمه حرم الخير ، ولذا ينبغي على كل مسلم أن يكون رفيقا في أموره كلها ، وأحواله جميعها ، بعيدا عن العجلة والتسرع والتهور والاندفاع ، فإن العجلة من الشيطان ، ولا يبوء صاحبها إلا بالخيبة والخسران ، وكفى بالرفق نبلا وفضلا أنه حبيب للرحمن ، فهو سبحانه رفيق يحب الرفق و واجبنا أن نتحلى بالرفق في شأننا كله ، والله وحده الموفِق لا شريك له .
=> ي