يقول ابن القيّم وفي غض البصر عدة منافع :
الاولى : أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، فليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.
الثانية : أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم ـ الذي لعل فيه هلاكه ـ إلى قلبه.
الثالثة : أنه يورث القلب أُنسا بالله وجمعية قلبه ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله وليس على القلب شيئ أضر من إطلاق البصر فإنه يورث الوحشة بين العبد وربه.
الرابعة : أنه يُقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامسة : أنه يُلبس القلب نورا ، كما أن إطلاقه يلبسه ظلمة ، ولهذا ذكر الله سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر فقال :
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) ثم قال إثر ذلك :
(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح)
السادسة : أنه يورث فراسة صادقة يميز بها بين الحق والباطل ، والصادق والكاذب ، وكان شجاع الكرمانيّ يقول : من عمّر ظاهره باتباع السنة ، وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشبهات ، واغتذى بالحلال لم تخطئ له فراسة.
السابعة : أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، فجمع الله له بين سلطان النصرة والحجة وسلطان القدرة والقوة.
الثامنة : أنه يسدّ على الشيطان مدخله إلى القلب ، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها له ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعِدُه ويمنّيه ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويُلقي عليها حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب.
التاسعة : أنه يفرغ للقلب الفكرة في مصالحه والإشتغال بها ، وإطلاق البصر ينسيه ذلك ويحول بينه وبينه ، فينفرط عليه امره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال تعالى :
(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا) وإطلاق النظر يوجب هذه الامور الثلاثة بحسبه.
العاشرة : أن بين العين والقلب منفذا وطريقا يوجب انتقال أحدهما عن الآخر ، وأن يصلح بصلاحه ، ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح.
(من كتاب الجواب الكافي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق