السبت، 9 نوفمبر 2013

شرح الحديث الثامن والعشرون

عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:

( وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ , فَقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ فَأَوْصِنا.

قالَ: { أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , تَمَسَّكُوا بِهَا , وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ })

 رواهُ أبو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ

وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

 
��المفردات:

��وعظنا:  نصحنا وذكرنا.

��موعظة:
تنويها للتعظيم ، أي موعظة جليلة.

��وجلت: خافت.

��منها:   من أجلها.

��ذرفت:   سالت بالدموع.

��كأنها موعظة مودع:
فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم ، فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم ، فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غير في القول والفعل.

��فأوصنا:   وصية جامعة كافية.

��بتقوى الله:
امتثال أوامره ،و اجتناب نواهيه.

��والسمع والطاعة:
لولاة الأمور ، فيجب الإصغاء إلى كلام ولي الأمر ، ليفهم ويعرف ، وتجب طاعته.

��فسيرى اختلافا:
في الأقوال والأعمال والاعتقادات.

��فعليكم بسنتي:
الزموا التمسك بها ، وهي طريقته صلى الله عليه وسلم ، مما أصله من الأحكام الإعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها.

��الراشدين:
الذين عرفوا الحق واتبعوه ، والمراد بالخلفاء الراشدين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

��عضوا: بفتح العين وضمها غلط.

��بالنواجذ:   أواخر الأضراس.

��بدعة:
وهي ما أحدث على خلاف أمر الشارع ، ودليله الخاص أو العام.
��الشرح:

 قوله:"وَعَظَنا"

 الوعظ:
التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة ترغيباً أو ترهيباً

↩وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة أحياناً. 

��وقوله: "وَجلَت مِنهَا القُلُوبُ"

 أي خافت منها القلوب كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(الأنفال: الآية2) . "

��وَذَرَفَت مِنهَا العُيون"

أي ذرفت الدموع، وهو كناية عن البكاء. 

" فَقُلنَا يَا رَسُول الله:كَأنَّها" أي هذه الموعظة "مَوعِظَةَ مُوَدِِّعٍ"

وذلك لتأثيرها في إلقائها،وفي موضوعها،وفي هيئة الواعظ لأن كل هذا مؤثر،حتى إننا في عصرنا الآن تسمع الخطيب فيلين قلبك وتخاف وتبكي، فإذا سمعته مسجلاً لم تتأثر، فتأثير المواعظ له أسباب منها:

 الموضوع،وحال

الواعظ،وانفعاله. "

�� قَالَ أوصيكُم بِتَقوَى الله عزّ وجل"

هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالى: 

(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
(النساء: الآية131)

 فتقوى الله رأس كل شيء. 

ومعنى التقوى:
طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على علم وبصيرة.

 ولهذا قال بعضهم في تفسيرها: أن تعبد الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما حرم الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله.

�� وقال بعضهم:

 خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واعمل كماش فوق أ ر ض الشوك يحذر ما يرى لاتحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

 " وَالسَّمعُ والطَّاعَة" أي لولاة الأمر بدليل قوله وَإِن تَأمَّر عَليكُم والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم، وأن تطيع إذا أمر، وسيأتي إن شاء الله في بيان الفوائد حكم هذه الجملة العظيمة،لكن انظر أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر بعد ذكر التقوى مع أن السمع والطاعة من تقوى الله لأهميتها ولعظم التمرد عليها. 

" وَإن تَأمَّر عَلَيكُم" أي صار أميراً "عبد" أي مملوكاً. 

"فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم"

أي تطول به الحياة "فَسَيَرى"

والسين هنا للتحقيق اختِلاَفاً كَثيراً في العقيدة، وفي العمل ، وفي المنهج، وهذا الذي حصل، فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلاً وجدوا من الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان. ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف،

 فقال: "فَعَلَيكُم بِسَّنتي"

�� أي الزموا سنتي

والمراد بالسنة هنا:

الطريقة التي هو عليها ، فلا تبتدعوا في دين الله عزّ وجل ما ليس منه ،ولا تخرجوا عن شريعته. 

" وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَاشِدين"

 الخلفاء الذين يخلفون رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه. فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة، نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته نصاً يقرب من اليقين، وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده. مثال ذلك: أتته امرأة في حاجة لها فوعدها وعداً، فقالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟

قال: "ائتِي أَبَا بَكر"[192]

 وقال : "يَأَبَى اللهُ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنونَ إِلا أَبَا بَكرٍ"[193]

 وأمر أن تسد جميع الأبواب المشرَّعة على المسجد إلا باب أبي بكر[194]، وجعله خليفته في الصلاة بالمسلمين حين مرض[195] 

وهذه إمامة صغرى،يشير بذلك إلى أنه يتولى الإمامة الكبرى،وجعله أميراً على الحجيج في السنة التاسعة خلفاً عنه. فهو الخليفة بالنص الذي يقرب من اليقين. 

ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه أولى الناس بالخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكان كثيراً ما يقول:
ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وجئت أنا وأبو بكر وعمر ،فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن أحق الناس بالخلافة عمر رضي الله عنه. وخلافة عمر رضي الله عنه ثابتة شرعاً لأنها وقعت من خليفة،ثم صارت الخلافة لعثمان رضي الله عنه بمشورة معروفة رتبها عمر رضي الله عنه، ثم صارت بعد ذلك لعلي رضي الله عنه هؤلاء هم الخلفاء الراشدون لا إشكال فيهم. 

��وقوله: "المهديين"

صفة مؤكدة لما سبق، لأنه يلزم من كونهم راشدين أن يكونوا مهديين، إذ لا يمكن رشد إلا بهداية

وعليه فالصفة هنا ليست صفة احتراز ولكنها صفة توكيد وبيان علة،يعني أنهم رشدوا لأنهم مهديون."عَضُّوا عَلَيهَا" أي على سنتي وسنة الخلفاء

 "بالنَّوَاجِذِ"

وهي أقصى الأضراس ومن المعلوم أن السنة ليست جسماً يؤكل

��لكن هذا كناية عن شدة التمسك بها،أي أن الإنسان يتمسك بهذه السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه. 

"وَإيَّاكُم" لما حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة.

 "وَإيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمور"

��أي اجتنبوها،والمراد بالأمور هنا الشؤون

 والمراد بالشؤون شؤون الدين،لا المحدثات في أمور الدنيا

لأن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع فهو خير،ومنها ما هو ضار فهو شر،لكن المحدثات في أمور الدين كلها شر

�� ولهذا قال:

"فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَة"

 لأنها ابتدعت وأنشئت من جديد. "كُل بِدعَةٍ ضَلالَة" أي كل بدعة في دين الله عزّ وجل فهي ضلالة . 
��الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية فوائد الحديث الثامن والعشرون السمع والطاعة 

فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله

��هذا الحديث أصل في الاعتصام بسنة الرسول وسنة الخلفاء الراشدين، وفيه من الفوائد:

 1- أن النبي  كان يعظ أصحابه بالترغيب والترهيب. 

2- استحباب الوعظ والتذكير. 

3- فضل الصحابة - رضي الله عنهم - لتأثرهم بالموعظة.

 4- أن وجل القلب ودمع العين علامة التأثر بالموعظة رغبة ورهبة. 

5- طلب الصحابة الوصية من النبي

6 - استحباب طلب الوصية من العالم
وأنها ليست من السؤال المذموم، وكذلك السؤال عن العلم. 

7- الوصية بتقوى الله وهي وصية الله للأولين والآخرين.

 8- الوصية بالسمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية وإن لم يكن ذا حسب ولا نسب. 

9- إخبار النبي عمّا سيكون من الاختلاف، وقد وقع كما أخبر، ففيه :

 10- علم من أعلام النبوة .

 11- الواجب عند الاختلاف الاعتصام بسنة الرسول r فإن لم تكن فبسنة الخلفاء الراشدين ويشهد لهذا من القرآن قوله تعالى :{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء : 59] 

12- فضل الخلفاء الراشدين المهديين للأمر بالأخذ بسنتهم ووصفهم بالرشد والهدى، والمراد بهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-. وقد صار هذا الوصف علماً عليهم. 

13- تأكيد الأمر بالتمسك بسنته r وسنة الخلفاء الراشدين. لقوله " تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ". 

14- التحذير من المحدثات في الدين في عقائده وشرائعه وأحكامه، وهي البدع. 

15- أن كل بدعة ضلالة. 

16- الرد على من يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة. 

17- أن المرجع في مسائل الدين كلها إلى ما جاء به الرسول r. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق