الأحد، 30 يونيو 2013

تدبر فى آيات الله

{(أفلا يتدبرون القرآن)}

قال الله تعالى : {(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ○ و يقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ○ و يخرون للأذقان يبكون و يزيدهم خشوعا)}
[سورة الإسراء:107-108-109]

■ التفسير :
قل يا محمد لمن كذب بالقرآن و أعرض عنه {(آمنوا به أو لا تؤمنوا)} فهو حق في نفسه و ليس لله حاجة فيكم ، و لا يزيده ذلك و لا ينقصه ، و لستم بضاريه شيئا و إنما ضرر ذلك عليكم ، فإن لله عبادا غيركم ، و هم الذين آتاهم الله العلم النافع ، كالذين من الله عليهم من مؤمني أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام و غيره ..

{(إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا)}
إذا يتلى عليهم هذا القرآن يسجدون على وجوههم تعظيما لله عز وجل ، و شكرا على ما أنعم به عليهم ..
و هنا لم يقل سبحانه {(يسجدون)} و إنما قال : {(يخرون للأذقان سجدا)} فعبر عن السجود بقوله {(للأذقان)} كناية عن المبالغة في الخضوع و الخشوع و الخوف من الله تعالى ، و لأن الإنسان كلما ابتدأ بالخرور و الإقبال على السجود فأقرب الأشياء من الجبهة إلى الأرض : الذقن ..
و يقولون في سجودهم : {(سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا)} تنزيها لله عما لا يليق بجلالته عما نسبه إليه المشركون ، و تعظيما و توقيرا له على قدرته التامة و أنه لا يخلف الميعاد ، و لذا قال : {(إن كان وعد ربنا لمفعولا)}
{(و يخرون للأذقان يبكون)} أي : على وجوههم ساجدين باكين خاشعين خاضعين لله من خشية الله و إيمانا و تصديقا بكتابه و رسوله و يزيدهم القرآن خشوعا .
◆ في الآيات تهديد لمشركي قريش و إبداء لإعراض الله عنهم في قوله : {(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا)} فإن العلماء السابقين من أهل الكتاب المؤمنين آمنوا به عن يقين و لم يتمالكوا أنفسهم عند سماعه إلا أن يسقطوا على وجوههم ساجدين لله سبحانه (لأن الحق لا يخفى عليهم) .

◆ كرر سبحانه ذكر الخرور للأذقان إشارة لتأثير مواعظ القرآن في قلوبهم و مزيد خشوعهم ، فإن القرآن يزيدهم بسماعهم له خشوعا أي لين قلب و رطوبة عين .

■ العمل بالقرآن :
• الله سبحانه و تعالى غني عن العالمين ، لا يبالي بالناس آمنوا بالقرآن أم لم يؤمنوا به ، مع أنه لا يرضى لعباده الكفر ، و إنما نحن المحتاجون إلى الإيمان بهذا القرآن العظيم ، و النهل من معينه الصافي ، و استقاء العلم منه ليكون دليلنا و مرشدنا ، و هادينا إلى جنات النعيم ، لذلك عض على كتاب ربك بالنواجذ ، و احرص على تعلم ما فيه من العلم ، فإنه العلم الذي ليس وراءه علم .

• العلم الذي لا يثمر الخشية و العمل ، ليس بعلم و لا فائدة منه ، فإن الله وصف الذين أوتوا العلم بأنهم يخرون للأذقان سجدا ، و هو غاية الذل و الخضوع لله سبحانه و تعالى ، و هو عمل بالعلم الذي تعلموه ، فاحذر أخي أن تكون مجرد وعاء للعلم دون أن يثمر ذلك عندك خشية لله تعالى و عملا صالحا ، و سبيلك لتحقيق ذلك هو التفكر و التدبر و محاولة فهم العلم الذي تقرأه أو تسمعه أو حتى تحفظه ، و إلا كان مثل من يحمل العلم بلا خشية أو عمل كمثل الحمار يحمل كتبا فوق ظهره و لا يفقه ما فيها و لا ينفعه حمله لها في شيء .

• نزه الله عن كل نقص و عيب ، و عظم أفعاله و حكمته و إرادته ، و ثق بصدق وعده ، و سلم أمرك إليه و قل : {(سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا)} .

• اخشع عند سماعك لكلام ربك ، و علامة ذلك : أن يقشعر بدنك ، و يلين قلبك ، و تترطب عيناك ، و اعلم أن الخشوع و البكاء و السجود من علامات تدبر القرآن العظيم ، و التأثر و الإنتفاع به .

• إبك عند سماعك للقرآن ، و إن لم تبك فتباك ، و حرك قلبك به ، و مما يعينك على ذلك : جمع قلبك على التفكر بما فيه من المواعظ ، فإن في القرآن من العلم ما يحرك القلوب الميتة ما لا يعلم بعظمته و جلاله إلا الله ، و يكفيك في ذلك استشعارك أنه كلام رب العالمين ، فو الله لو أن القرآن ليس فيه إلا هذه الميزة لكفى ذلك سببا ألا تتوقف العين عن الدمع عند قراءته خشوعا لله رب العالمين ، صاحب هذا الكلام العظيم .

• عند نهاية الآية : {(و يخرون للأذقان يبكون و يزيدهم خشوعا)} موضع من مواضع السجود ، فاحرص على هذه السجدة تعظيما لله سبحانه و تعالى ، فإن الشيطان يعتزل يبكي إذا سجدت هذه السجدة ، و يقول : (يا ويله !  أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، و أمرت بالسجود فأبيت فلي النار) كما ورد في صحيح مسلم .

• استمع للقرآن العظيم بنية الخشوع لله رب العالمين ، فإن الذين أوتوا العلم إذا يتلى عليهم يزيدهم القرآن خشوعا و يبكون و يسجدون ، فما رأيك أخي لو تستمع لآيات من القرآن من غيرك فإن الله يقول : {(إذا يتلى عليهم)} و تجمع قلبك و فكرك عند سماعك لها ، فتخشع ، و تبكي ، و تسجد و تتفكر في وعد الله الحاصل لا محالة ، و تقول : {(سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا)} ، فتذوق من اللذة ما لا يمكن وصفه ، و لا يعلم كنهه إلا رب العالمين ، افعل ذلك و أخبر به كل من سألك عن الحياة الطيبة و طرق تحصيلها .

■ إضاءة :
من أوتي من العلم ما لا يبكيه فقد أوتي من العلم ما لا ينفعه ؛ لأن الله نعت أهل العلم فقال : {(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ○ و يقولوا سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ○ و يخرون للأذقان يبكون و يزيدهم خشوعا)} .

أخلاق العلماء للآجري

■ المراجع :
● التفسير المنير
● تفسير ابن كثير
● تفسير السعدي
● زبدة التفسير
● كتاب : [ليدبروا آياته]

■ تطبيق :
ما الذي تفعله لتقترب من القرآن أكثر و تنتفع بما فيه من المواعظ ، و تستفيد بما فيه من الهداية الربانية ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق