الأحد، 2 يونيو 2013

كلمة طيبة كشجرة طيبة

أفلا يتدبرون القرآن
[

قال تعالى : {(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)} [إبراهيم : 24 ، 25]

● التفسير :
شبه سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح و الشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع ، و هذا ظاهر على قول المفسرين الذين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة ألا إله إلا الله ، فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة و الباطنة ، فكل عمل صالح مرضي لله عز وجل ثمرة هذه الكلمة .

• عن ابن عباس قال : أصلها ثابت قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن ، و فرعها في السماء يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء .

• و عن ابن عباس : يعني بالشجرة الطيبة : المؤمن ، و يعني بالأصل الثابت في الأرض و الفرع في السماء : يكون المؤمن يعمل في الأرض و يتكلم ، فيبلغ قوله و عمله السماء و هو في الأرض .

• قال الربيع بن أنس : كلمة طيبة هذا مثل الإيمان ، و الإيمان الشجرة الطيبة ، و أصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه ، و فرعه في السماء خشية الله ، و التشبيه على هذا القول أصح و أظهر و أحسن ، فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا ، التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين .

• قال عطية العوفي : ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب و عمل صالح يصعد إلى الله .

• و من السلف من قال : إن الشجرة الطيبة هي النخلة ، و يدل عليه حديث ابن عمر الصحيح الذي شبه فيه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة .

• و ميزة النخلة التي فسر بها بعض السلف الآية : أنها تثمر كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار ، في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء و صيف ، و كذلك فإن كلمة التوحيد تثمر الخير ، و تدفع حاملها إلى العمل الصالح في كل حين ، و يدخل بسببها الجنة .

● العمل بالقرآن :

• كن من أهل هذه الآية قدر استطاعتك ، بأعمال صالحة ترفع لك آناء الليل و أطراف النهار في كل وقت و حين .

• تعاهد شجرة الإيمان في قلبك ، بسقيها كل وقت بالعلم النافع و العمل الصالح ، و الذكر و التفكر ، و إلا إن قطعت عنها السقي أوشكت أن تيبس ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى : أن يجدد الإيمان في قلوبكم) صححه الألباني .

• استشعر حاجتك إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات ، و عظيم رحمته ، و تمام نعمته و إحسانه إلى عباده بأن وضعها عليهم ، و جعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم .

• استشعر شدة حاجتك إلى ربك ليوفقك للعمل الصالح و القول الطيب ، فإن الله يقول : {(بإذن ربها)} ، فالمسألة كلها توفيق من الله عز وجل ، و الواجب عليك الاستعانة به ليوفقك {(إياك نعبد وإياك نستعين)} .

• قد أجرى الله العادة أن الغرس و الزرع النافع لا بد أن يخالطه دغل و نبت غريب ليس من جنسه ، فإن تعاهده صاحبه و نقاه و قلمه كمل الغرس و استوى و تم نباته ، و كان أوفر لثمرته و أطيب و أزكى ، و إن تركه أوشك أن يغلب على الغرس و الزرع و يكون الحكم له ، أو يضعف الأصل و يجعل الثمرة ذميمة ناقصة ، بحسب كثرته و قلته ، و لذلك كما تسعى لسقي شجرة الإيمان في قلبك ؛ فاسع لتنقية ما حولها ، فبسقيها تبقى و تدوم ، و بتنقية ما حولها تكمل و تتم ، فاعمل على أن تباعد بين قلبك و بين كل سبب يحول بينه و بين الله ، و إن حصل منك تقصير أو تفريط فبادر بالتوبة و الإستغفار .

• الشجرة الطيبة المثمرة تكون دوما نافعة للناس ، فحاول أن تنفع الآخرين بأي شيء تقدر عليه ، من تعليم و تذكير ، و إسداء نصح ، و أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، و عون أو مشي في حاجة ، و كل ما فيه منفعة للآخرين .

• يضرب الله الأمثال تقريبا للمعاني المعقولة من الأمور المحسوسة ، فيتبين بذلك المعنى الذي أراده و يتضح غاية الوضوح ؛ و ذلك حتى يتذكر الناس ما أمرهم الله به و ما نهاهم عنه ، فإذا قرأت الأمثال التي جاءت في القرآن فاقرئها ، و أنت تضع نصب عينيك هذه الغاية الجليلة ، من التذكر و التأمل و التدبر فيها ، و فهم المقصود منها ، و الإنتفاع بما فيها من معاني جليلة .

● إضاءة :
(في هذا المثل من الأسرار و العلوم و المعارف ما يليق و يقتضيه علم الذي تكلم به سبحانه و حكمته ، فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق ، و ساق ، و فروع ، و ورق ، و ثمر ، فكذلك شجرة الإيمان و الإسلام ، ليطابق المشبه المشبه به ، فعروقها العلم و المعرفة و اليقين ، و ساقها الإخلاص ، و فروعها الأعمال ، و ثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة ، و الصفات الممدوحة ، و الأخلاق الزكية ، و السمت الصالح و الهدي ، و الدل المرضي ، فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب و ثبوتها فيه بهذه الأمور) .
ابن القيم

● المراجع :
الأمثال في القرآن الكريم لابن القيم
التفسير المنير
تفسير السعدي
تفسير ابن كثير

● تطبيق :
ما هو المعنى الذي أراد الله عزوجل إفهامنا إياه و الذي من أجله ضرب لنا هذا المثل في هذه الآية ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق